فقوله تعالى:{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ} بتكرير "أن" مرتين دليل على أن موسى عليه السلام لم تكن مسارعته إلى قتل الثاني كما كانت مسارعته إلى قتل الأول، بل كان عنه إبطاء في بسط يده إليه، فعبر القرآن عن ذلك في قوله تعالى:{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ} .
وجرت بيني وبين رجل من النحويين مفاوضة في هذه الآية، فقال: إن "أنّ" الأولى زائدة، ولو حذفت فقيل: لما أراد أن يبطش لكان المعنى سواء، ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} ١.
وقد اتفق النحاة على أن "أن" الواردة بعد "لما" وقبل الفعل زائدة.
فقلت له: النحاة لا فتيا لهم في مواقع الفصاحة والبلاغة، ولا عندهم معرفة بأسرارهما، من حيث إنهم نحاة، ولا شك أنهم وجدوا "أن" ترد بعد "لما" وقبل الفعل في القرآن الكريم, وفي كلام فصحاء العرب, فظنوا أن المعنى بوجودها كالمعنى إذا أسقطت فقالوا: هذه زائدة، وليس الأمر كذلك، بل إذا وردت "لما" وورد الفعل بعدها بإسقاط "أن" دل ذلك على الفور، وإذا لم تسقط لم يدلنا ذلك على أن الفعل كان على الفور، وإنما كان فيه تراخ وإبطاء.
وبيان ذلك من وجهين:
أحدهما: أني أقول: فائدة وضح الألفاظ أن تكون أدلة على المعاني، فإذا وردت لفظة من الألفاظ في كلام مشهود له بالفصاحة والبلاغة, فالأولى