للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه إنما كرر العفو والصفح والمغفرة، والجميع بمعنى واحد للزيادة في تحسين عفو الوالد عن ولده والزوج عن زوجته.

وهذا وأمثاله ينظر في الغرض المقصود به، وهو موضع يكون التكرير فيه أوجز من لمحة الإيجاز، وأولى بالاستعمال. وقد ورد في القرآن الكريم كثيرا، كقوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ١.

فإن البث والحزن بمعنى واحد، وإنما كرره ههنا لشدة الخطب النازل به، وتكاثر سهامه النافذة في قلبه، وهذا المعنى كالذي قبله.

وكذلك ورد قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} ٢ بعد ثلاثة وسبعة تنوب مناب قوله ثلاثة وسبعة مرتين؛ لأن "عشرة" هي ثلاثة وسبعة، ثم قال "كاملة" وذلك توكيد ثالث، والمراد به إيجاب صوم الأيام السبعة عند الرجوع في الطريق على الفور، لا عند الوصول إلى البلد كما ذهب إليه بعض الفقهاء.

وبيانه أني أقول: إذا صدر الأمر من الآمر على المأمور بلفظ التكرير مجردا من قرينة تخرجه عن وصفه, ولم يكن مؤقتا بوقت معين, كان ذلك حثا له على المبادرة إلى امتثال الأمر على الفور فإنك إذا قلت لمن تأمره بالقيام، "قم قم قم" فإنما تريد بهذا اللفظ المكرر أن يبادر إلى القيام في تلك الحال الحاضرة.


١ سورة يوسف: الآية ٨٦.
٢ سورة البقرة: الآية ١٩٦ وقبل هذه الجملة {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>