للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد والشك بين لي عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح١

فإن في هذا البيت من رديء الاعتراض ما أذكره لك، وهو الفصل بين قد والفعل الذي هو بين، وذلك قبيح، لقوة اتصال قد بما تدخل عليه من الأفعال ألا تراها تعد مع الفعل كالجزء منه، ولذلك أدخلت عليه اللام المراد بها توكيد الفعل، كقوله تعالى: {لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} ٢ وكقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} ٣ وقول الشاعر:

ولقد أجمع رجلي بها ... حذر الموت وإني لفرور٤

إلا أن فصل بين قد والفعل بالقسم, فإن ذلك لا بأس به، نحو قولك: قد والله كان ذاك, وقد فصل في هذا البيت أيضًا بين المبتدأ الذي هو الشك وبين الخبر الذي هو عناء بقوله: بين لي، وفصل بين الفعل الذي هو بين, وبين فاعله الذي هو صرد بخبر المبتدأ الذي هو عناء، فجاء معنى البيت كما تراه كأنه صورة مشوهة قد نقلت أعضاؤها بعضها إلى مكان بعض.

ومن هذا الضرب قول الآخر:

نظرت وشخصي مطلع الشمس ظله ... إلى الغرب حتى ظله الشمس قد عقل

أراد نظرت مطلع الشمس وشخصي ظله إلى الغرب حتى عقل الشمس أي: حاذاها، وعلى هذا التقرير فقد فصل بمطلع الشمس بين المبتدأ الذي هو شخصي وبين خبره الجملة، وهو قوله: ظله إلى الغرب، وأغلظ من ذلك أنه


١ أصل التركيب فقد بين صرد يصيح بوشك فراقهم، والشك لي عناء.
٢ الزمر: ٦٥.
٣ البقرة: ١٠٢.
٤ من مقطوعة لعمرو بن معديكرب "شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٣/ ١٨١" الضمير في قوله بها للفرس. والمعنى: أركضها وأستدر جريها، ذهابا في الفرار، واحترازا من الموت، وإني لكثير الهرب إذا كان الهرب أغنى، وإلى مراغمة العدو أدعى.

<<  <  ج: ص:  >  >>