للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التقسيم ليس صحيح؛ لأن من شرط التقسيم أن يكون كل قسم منه مختصا بصفة خاصة تفصله عن عموم الأصل، كقولنا: الحيوان ينقسم أقساما منها الإنسان، وحقيقته كذا وكذا، ومنها الأسد وحقيقته كذا وكذا، ومنها الفرس وحقيقته كذا وكذا، ومنها غير ذلك، وههنا لم يكن التقسيم كذلك فإن التمثيل على ما ذكر عبارة عن مجموع الكناية؛ لأن الكناية إنما هي أن تراد الإشارة إلى معنى, فيوضع لفظ لمعنى آخر، ويكون ذلك اللفظ مثالا للمعنى الذي أريدت الإشارة إليه.

ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} ١ فإنه أراد الإشارة إلى النساء، فوضع لفظا لمعنى آخر وهو النعاج، ثم مثل به النساء، وهكذا يجري الحكم في جميع ما يأتى من الكنايات، لكن منها ما يتضح التمثيل فيه, وتكون الشبهية، بين الكناية والمكنى عنه شديدة المناسبة، ومنه ما يكون دون ذلك في الشبهية، وقد تأملت ذلك، وحققت النظر فيه، فوجدت الكناية إذا وردت على طريق اللفظ المركب كانت شديدة المناسبة واضحة الشبهية، وإذا وردت على طريق اللفظ المفرد لم تكن بتلك الدرجة في قوة المناسبة والمشابهة، ألا ترى إلى قولهم: "فلان نقي الثوب"، وقولهم: "اللمس" كناية عن الجماع، فإن نقاء الثوب أشد مناسبة وأوضح شبها؛ لأنا إذا قلنا: نقاء الثوب من الدنس كنزاهة العرض من العيوب اتضحت المشابهة, ووجدت المناسبة بين الكناية والمكنى عنه شديدة الملاءمة، وإذا قلنا: "اللمس كالجماع" لم يكن بتلك الدرجة في قوة المشابهة، وهذا الذي ذكر في أن من الكناية تمثيلا وهو كذا وكذا، غير سائغ ولا وارد، بل الكناية كلها هي ذاك، والذي قدمته من القول هو الحاصر لها، ولم يأت به أحدي غيري كذلك.


١ سورة ص: الآية ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>