للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن بعد مهوى القرط دليل على طول العنق.

ومن لطيف هذا الموضع وحسنه ما يأتي بلفظة مثل، كقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح: "مثلي لا يفعل هذا" أي: أنا لا أفعله، فنفى ذلك عن مثله, ويريد نفيه عن نفسه؛ لأنه إذا نفاه عمن يماثله ويشابهه فقد نفاه عن نفسه لا محالة، إذ هو ينفي ذلك عنه أجدر، وكذلك يقال: "مثلك إذا سئل أعطى" أي: أنت إذا سئلت أعطيت، وسبب ورود هذه اللفظة في هذا الموضع أنه يجعل من جماعة هذه أوصافهم وتثبيتا للأمر وتوكيدا، ولو كان فيه وحده لقلق منه موضعه، ولم يرس فيه قدمه.

وهذا مثل قول القائل إذا كان في مدح إنسان: "أنت من القوم الكرام" أي: لك في هذا الفعل سابقة، وأنت حقيق به، ولست دخيلا فيه.

وقد ورد هذا في القرآن الكريم في قوله تعالى: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ١ والفرق بين قوله: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وبين قوله: ليس كالله شيء, هو ما أشرت إليه، وإن كان سبحانه وتعالى لا مثل له حتى يكون لمثله مثل، وإنما ذكر ذلك على طريق المجاز قصدًا للمبالغة.

وقد يأتي هذا الموضع بغير لفظة مثل وهي مقصودة، كقولك للعربي: العرب لا تخفر الذمم أي: "أنت لا تخفر الذمم"، وهذا أبلغ من قولك: أنت لا تخفر الذمم، لما أشرت إليه. وعلى نحو من هذا جاء قول أبي الطيب المتنبي:

ألست من القوم الذي من رماحهم ... نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل٢


١ الشورى: ١١.
٢ من قصيدة في رثاء أبي الهيجاء عبد الله بن سيف الدولة وقد توفي سنة ٣٣٨هـ، والبيت في الديوان:
ألست من القوم الألى من رماحهم ... نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل
"ديوان المتنبي ٣/ ٢١١".

<<  <  ج: ص:  >  >>