للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل، وشهادة ذم الناقص إياه بفضله كتحسين بغض الذي هو غير طائل نفس ذلك الرجل عنده.

ومن هذا الضرب ما هو أظهر مما ذكرته وأبين، كقول أبي تمام:

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة ... رعاها وماء الروض ينهل ساكبه١

أخذ البحتري هذا المعنى واستخرج منه ما يشابهه، كقوله في قصيدة يفخر فيها بقومه:

شيخان قد ثقل السلاح عليهما ... وعداهما رأي السميع المبصر

ركبا القنا من بعد ما حملا القنا ... في عسكر متحامل في عسكر٢

فأبو تمام ذكر أن الجمل رعى الأرض ثم سار فيها فرعته أي: أهزلته، فكأنها فعلت به مثل ما فعل بها، والبحتري نقل هذا إلى وصف الرجل بعلو السن والهرم، فقال: إنه كان يحمل الرمح في القتال ثم صار يركب عليه أي: يتوكأ منه على عصا، كما يفعل الشيخ الكبير.

وكذلك ورد قول الرجلين أيضا، فقال أبو تمام:

لا أظلم النأي قد كانت خلائقها ... من قبل وشك النوى عندي نوى قذفا٣


١ من قصيدته في مدح أبي العباس عبد الله بن طاهر، التي مطلعها:
هن عوادي يوسف وصواحبه ... فعز ما فقد ما أدرك السؤال طالبه
"الديوان ١/ ٢٣٠" الفيافي: الأماكن الخالية والقفار، يريد أن مركوبه هزل من سيره في القفار بعد ما كان سمينا، فكأنها رعته بعدما رعى نبتها.
٢ من رثائه لقومه "الديوان ٢/ ٤٥" وفي الديوان البيت الثاني قبل الأول.
٣ من قصيدته في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي التي مطلعها:
أما الرسوم فقد أذكرن ما سلفا ... فلا تكفن عن شأنيك أو يكفا
"الديوان ٣/ ٣٥٩" قذف بضم القاف والذال وبفتحهما بعيدة، أي: لا أكذب على النأي فأقول إنه فرق بيننا، فقد كانت أخلاقها لي قبل الفراق فرقا يمنعني الوصول إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>