الحارات، وينادون بالسّحُور، ويخرجون ذلك في كلام موزون على هيئة الشعر, وإن لم يكن من بحار الشعر المنقولة عن العرب، وسمعت شيئًا منه فوجدت فيه معاني حسنة مليحة ومعاني غريبة، وإن لم تكن الألفاظ التي صيغت بها صيغة. وهذا الركن أيضًا يشترك فيه الكاتب والشاعر.
الركن الخامس: أن لا يخلو الكتاب من معنى من معاني القرآن الكريم والأخبار النبوية، فإنها معدن الفصاحة والبلاغة، وإيراد ذلك على الوجه الذي أشرت إليه في الفصل الذي يلي هذا الفصل من حلِّ معاني القرآن الكريم والأخبار النبوية أحسن من إيراده على وجه التضمين، وتوخي ذلك في كل كتاب عَسِرٌ جدًّا، وأنا انفردت بذلك دون غيري من الكتَّاب، فإني استعملته في كل كتاب، حتى إنه ليأتي في الكِتَاب الواحد في عدَّة مواضع منه، ولقد أنشأت تقليدًا لبعض الملوك مما يكتب من ديوان الخلافة، ثم إني اعتبرت ما ورد فيه من معاني الآيات والأخبار النبوية, فكان يزيد على الخمسين، وهذا لا أتكلفه تكلفًا، وإنما يأتي على حسب ما يقتضيه الموضع الذي يذكر فيه، وقد عرفتك أيها الكاتب كيف تستعمل ما تستعمله من ذلك في الفصل الذي يأتي بعد هذا الفصل فخذه من هناك.
وهذا الركن يختصُّ بالكاتب دون الشاعر؛ لأن الشاعر لا يلزمه ذلك؛ إذ الشعر أكثره مدائح، وأيضًا فإنه لا يتمكّن من صوغ معاني القرآن والأخبار في المنظوم, كما يتمكَّن منه في المنثور، ولربما أمكن ذلك في الشيء اليسير في بعض الأحيان.
وإذا استكملت معرفة هذه الأركان الخمسة، وأتيت بها في كل كتاب بلاغي ذي شأن, فقد استحققت حينئذ فضيلة التقدم، ووجب لك أن تسمي نفسك كاتبًا.