الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فبعد أن فرغنا من الحديث عن التشبيه نعرض لمعنى وأقسام المجاز اللغوي، والفرق بينه وبين التشبيه محذوف الوجه والأداة المسمى بالتشبيه البليغ، أو محذوفهما مع المشبه، وبينه كذلك وبين المجاز العقلي، وبينه وبين الكناية؛ فالفروق بين هذه الألوان من البيان من الأهمية بمكان، ومن المعلوم أن المجاز هو قسيم الحقيقة؛ ولذا ناسب قبل أن نعرف بالمجاز اللغوي أن نعرف أولًا بالحقيقة اللغوية.
فما المراد إذن بالحقيقة اللغوية؟
الحقيقة في اللغة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه، والمجاز ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويُعدل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عُدم هذه الأوصاف؛ كانت الحقيقة البتة هذا كلام ابن منظور في كتابه (لسان العرب) في معنى كلمة حقيقة، والحقيقة والمجاز إذا أُطلقا انصرفا إلى الحقيقة اللغوية والمجاز اللغوي، ولا يحتاجان إلى تقيدهما باللغويين، إلا في مقام المقارنة بينهما وبين الحقيقة العقلية، والمجاز العقلي، للتفرقة بينهم.
أما في اصطلاح البلاغيين فالحقيقة: هي الكلمة المستعملة فيما وُضعت له في الاصطلاح الذي جرى به التخاطب، فلفظ الأسد مثلًا إذا استعمل في الحيوان المفترس كان حقيقة لاستعماله فيما وضع له، ونلاحظ في التعريف أن الكلمة قد قيدت بثلاث قيود:
أولها: كونها مستعملة؛ لأن الكلمة المهملة التي وضعها الواضع ولم تستعمل لا تدخل معنا في اللغة، فلا تسمى حقيقة، كما لا تسمى مجازًا.