كإجراء الأسد والسيف على الرجل في قولك: انبرى لي أسد يزأر، وسللت سيفًا على العدو لا يفل، والظباء على النساء في قوله مثلًا "من الظباء الغيد"، والنور على الهدى والبيان في قولك:"أبديت نورًا ساطعًا"، وكإجراء اليد نفسها على من يعز مكانه كقولك "أتنازعني في يد بها أبطش، وعين بها أبصر"، تريد إنسانًا له حكم اليد وفعلها، وغناؤها ودفعها، وخاصة العين وفائدتها، وعزة موقعها، ولطف موضعها؛ لأن معك في هذا كله ذاتًا يُنص عليها، وترى مكانًا في النفس، وإذا لم تجد ذكرها في اللفظ.
وليس لك شيء من ذلك في بيت لبيد، بل ليس لك أن تخيل إلى نفسك أن الشمال في تصريف الغداة على حكم طبيعتها كالمدبر المصرف لما زمامه بيده، ومقادته في كفه.
وراح عبد القاهر يعرض من خلال كتابيه (أسرار البلاغة)، و (دلائل الإعجاز) نماذج، يعرض للمجاز وأنواعه بالتفصيل، وإن أُخذ عليه أحيانًا القول بالمجاز في صفات الله، وقد تأثر بهذا بالطبع كل من وليه من البلاغيين، وقد كان لي بحث في هذا، فصلت فيه القول، ورددت فيه على البلاغيين قولهم بالمجاز في صفات الله -عز وجل- أرجو من كل معنيٍّ بهذه القضية أن يتناول هذا الكتاب بالقراءة، فإنه مهم في بابه.
أقسام المجاز اللغوي باعتبار الإفراد والتركيب
هذا وينقسم المجاز اللغوي باعتبار الإفراد والتركيب إلى قسمين:
القسم الأول: هو المجاز المفرد، وهو ما كان اللفظ المتجوز به مفردًا كقوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ}(البقرة: ١٩) أي: أناملهم، وكما في قول أبي تمام مادح:
يا ابن الكواكب من أئمة هاشم ... والردح والأحساب والأحلام