الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
سبق أن ذكرنا أن الطباق لغةً: الموافقة والمساواة والمناسبة؛ لأن الفعل طابق يدور حول هذه المعاني، ثم ذكرنا أنه في اصطلاح البلاغيين معناه: أن تجمع في الكلام الواحد أو ما هو كالكلام الواحد في الاتصال بين معنيين متقابلين في الجملة، وذكرنا أن هناك مناسبةً بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، وأن العَلاقة بينهما تكمن في أن المتكلم وفّق بين المعنيين المتقابلين كما يوفق بين الشيئين المختلفين، فيُجعلَا على حذوٍ واحد، وهناك مناسبة أخرى هي معنى التضاد اللغوي، ومعناه الاصطلاحي أيضًا، فإنهما واضحان في تعريف الطباق، لأن كِلا المعنيين ضد الآخر ومخالف له، وإن كان قد حصل بينهما جمع وتوفيق في كلام واحد، على أن ما سبق من تعريف الطباق عن البلاغيين هو ما ذهب إليه جمهورهم.
لكن قدامة بن جعفر -الكاتب- ومعه قوم ذهبوا إلى أن الطباق هو اتحاد الكلمتين في اللفظ مع اختلافهما في المعنى، وقد استشهد قدامة للطباق بشواهد منها قول الأفوه الأزدي:
وأقطع الهوجل مستأنسًا ... بهوجل عيرانة عنتريس
أي: بناقة سريعة ممتلئة، فقد جاءت لفظة الهوجل في هذا البيت واحدة، ولكنها ذات معنيين؛ لأن الأولى معناها الأرض، وأقطع الهوجل، والثانية معناها الناقة، بهوجل عيرانة عنتريس، وكذا قول أبي داود الأيادي:
عهدت لها منزلًا دائرًا وإلًا ... على الماء يحملن إلا