وقولنا "على وجه يصح": إشارة إلى وجوب العلاقة الرابطة بين المعنى المجازي والمعنى الذي وضع له اللفظ، وخرج بذلك الغلط اللساني، كأن تشير إلى حجر، وتقول لشخص مثلًا: خُذ هذا الفرس، فاستعمال لفظ الفرس لا يُسمى مجازًا؛ لأنه لا علاقة بين الحجر والفرس، والقرينة في التعريف هي الأمر الذي يجعله المتكلم دليلًا على أنه المراد باللفظ غير المعنى الموضوع له، وتقييدها بالمانعة احترازًا عن الكناية؛ لأن قرينتها لا تمنع إرادة المعنى الأصلي مع المعنى الكنائي.
المجاز بين التقرير والإنكار
قد كان المجاز قديمًا وحديثًا مثار نقاش حادٍّ بين أهل العلم، فقد ذهب بعضهم إلى أن اللغة كلها حقيقة، ويُنكرون المجاز على الإطلاق، ويذهبون إلى أنه غير وارد في القرآن، ولا في كلام الناس، وحجتهم أن المجاز أخو الكذب، والقرآن منزَّه عنه، وأن المتكلم لا يعدل إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة، ويزعم آخرون أن أكثر اللغة عند التأمل مجاز لا حقيقة، وقولنا قام زيد -مثلًا- مجاز؛ لأن زيدًا لم يفعل كل القيام، بل فعل بعضه، فهو من وضع الكل موضع البعض؛ للاتساع والتوكيد، ولذا يقال: قام قومة وقومتين، وقيامًا حسنًا وقيامًا قبيحًا، وكذا قولنا ضربت زيدًا، مجاز أيضًا؛ لأن القائل فعل بعض الضرب لا كله، ولأنه ضرب بعض زيد لا جميعه، فقد ضرب يده، أو رجله أو ناحية من نواحي جسده، ولهذا فإنه إذا احتاط جاء ببدل البعض، فيقول: ضربت زيدًا رأسه، أو كتفه، وهذان الرأيان مبنيان على خطأ في التصور، وعلى كثير من التدقيق الذي تنفر منه طبيعة هذه اللغة، ويتضح ذلك فيما يلي: