للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان سجع الكهان قد اختفى بمجيء الإسلام، فقد ظهر نوع آخر من السجع أغرق منه في الكذب والضلال، وأكثر منه اضطرابًا في النظم وسماجة التركيب، ألا وهو سجع مدعي النبوة، الذين استخفوا قومهم فأطاعوهم، من ذلك قول مسيلمة الكذاب: "يا ضُفدع نقي نِقي، لِمَ تنقين!! لا الماء تُكدِّرين، ولا الشراب تَمنعين". وإذا ما استثنينا هذا النوعَ -وهو سجع مدعي النبوة- نجد أن أسلوب السجع ظل قويًا مطبوعًا، وبخاصة في الوصايا، والحكم، والوعظ، والأجوبة، والنوادر، وغير ذلك من فنون القول، حتى أواسط القرن الرابع الهجري، حيث امتزج العجم بالعرب، ودَبَّ الفساد في اللغة، وعدَل القوم عن الأسلوب الفطري المطبوع، وتحولوا إلى الزخرف والزينة، فكان الإسراف والإفراط، وظهرت الصنعة والتكلف، ليس في السجع فحسب بل في مختلف الفنون البلاغية.

آراء في أسلوب السجع، وهل يطلق على ما جاء في القرآن

ولو تعرضنا لآراء البلاغيين في أسلوب السجع، لرأينا أنه لا ينبغي أن تفوتنا الإشارة بإيجاز إلى هذه الآراء في أسلوب السجع من حيث الإباحة والحظْر، ومن حيث جواز إطلاقه على ما في القرآن الكريم من فواصل وعدم الجواز. فقد اختلفت آراء العلماء في ذلك: فمنهم مَن عاب أسلوب السجع وعدَّه من الأساليب التي تقوم أكثرَ ما تقوم على الصنعة وعلى التكلف والتعسف، هم يستدلون على وجهة نظرهم بما آل إليه حالُ البيان العربي من تدهور وانحطاط في العصور التي شاع فيها استعمال السجع. ومنهم مَن استحسنه ودافع عنه، محتجًّا: بأنه لو كان مذمومًا لَمَا ورد في النظم الكريم، حيث لا تكاد سورة تخلو منه، بل إن مِن سوره ما جاءت جميعها مسجوعةً، كسورة القمر، وسورة

<<  <   >  >>