للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد أطمعتني بالوصال تبسمًا ... وبعد رجائي أعرضت وتولت

كما أبرقت قومًا عطاشًا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت

فهو هنا يصور حاله مع حبيبته، وقد بدت له مبتسمة فطمع في وصالها وتمكن رجاء الوصل في نفسه، وعندئذٍ أعرضت عنه وتولت، بحال قوم عطاش لا حت لهم غمامة مطمعة ما برحت حين تمكن في أنفسهم رجاء أمطارها أن أقشعت، وانجلت، فوجه الشبه هنا هو وقوع اليأس في نفسه إثر تمكن الرجاء فيه، وهذا الوجه منتزع من الأمور المجتمعة في البيتين؛ بحيث لا يمكن الاستغناء عن بعضها، وعليه فلا يصح أن يكون المشبه هو حاله مع حبيبته، وقد لاحت له مبتسمة، وطمع في وصالها، أو أن يكون المشبه به حال قوم عطاش شديد الحاجة إلى الماء، لاحت لهم غمامة مطمعة؛ لأننا بهذا الصنيع نكون قد فصلنا أجزاء التشبيه المركب، وعقدنا المشابهة بين جزء في المشبه، ونظيره في المشبه به بوجه شبه مستقل؛ إذ يفوت بهذا الغرض الذي يرمي إليه الشاعر من التركيب.

وهذا الكلام نقوله، ونؤكد عليه لأن آيات عديدة في القرآن جاء التشبيه فيها مركبًا، وإن لم يرع هذا الضابط؛ يختلُّ التشبيه في نظم القرآن.

وخلاصة القول في هذا أن وجه الشبه المركب من عدة أمور لا يمكن تجريده من بعض هذه الأمور؛ لأنه مبني على اتحاد الأجزاء ومزجها، وتلاحمها.

كيف يُكتسب وجه الشبه من الأمور الدقيقة في أطراف التشبيه؟

وهنا يأتي سؤال كيف يُكتسب وجه الشبه من مثل هذه الأمور الدقيقة في أطراف التشبيه المتعددة الأجزاء، أو المركبة؟

ولا نستغرب أن كنا قد تكلمنا من قبل عن وجه الشبه؛ لأن الكلام فيما سبق كان على سبيل الاختصار، أما هنا فإنما نستعرض ما جاء من غريب التشبيهات؛ لنتعرف على كيف أن هذه التشبيهات تأتي غريبة، وكيف يُجمع بين أجزاء الطرفين المشبه به والمشبه، لكن يبقى السؤال أن وجه الشبه -كما علمنا: هو الصفة الجامعة بين الطرفين، فإذا أراد المتكلم أن يعقد تشبيهًا بين أمرين؛ كان

<<  <   >  >>