ولذا آثر النظم الكريم التعبير بالإذاقة واللباس، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف؛ ليفيد الأمرين معًا شدة الإصابة، وشمولها، وإحاطتها، هكذا ندرك دقة التعبير في النظم القرآني.
ولنا عودة بمشيئة الله تعالى للحديث عن الاستعارة التصريحية لكثرة تشعبها ولكثرة أقسامها.
الاستعارة المكنية والتخييلية
الاستعارة المكنية: هي التي لا يصرح فيها كما قلنا بلفظ المشبه به، بل يطوى ويرمز له بلازم من لوازمه، ونذكر مثلًا على سبيل المثال ما سبق أن ذكرناه قبل، وهو بيت مشهور:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
فهنا شبه المنية بالسبع، ثم طوى المشبه به، ورمز له بلازمه، وهو الأظفار، وأثبت هذا اللازم للمشبه؛ فالمنية أو السبع استعارة مكنية، وإثبات الأظفار للمشبه فيها استعارة تخييلية.
هذا وقد اختلف البلاغيون في تحديد مفهوم الاستعارتين المكنية، والتخييلية التي هي قرينة المكنية فيرى جمهور البلاغيين أن المكنية: هي لفظ المشبه به المستعار في النفس للمشبه، والمحذوف المدلول عليه بشيء من لوازمه.
والتخييلية: هي إثبات لازم المشبه به للمشبه، ويقال في إجراء الاستعارتين في البيت المذكور: شُبهت المنية بالسبع بجامع الاغتيال في كلٍّ، ثم تنوسي التشبيه، وادعي دخول المشبه في جنس المشبه به، ثم قُدِّر في النفس حذف المشبه به، ورُمز إليه بشيء من لوازمه، وهي الأظفار على سبيل الاستعارة المكنية، ثم أثبتت الأظفار للمنية على سبيل الاستعارة التخييلية. هذا هو رأي جمهور البلاغيين.