الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فنختم حديثنا عن هذا الضرب من الكلام، وهو فن التشبيه نختمه بالحديث عن عدة أمور هي من الأهمية بمكان، وتتلخص هذه الأمور، أو تلك العناصر في بيان مكانة التشبيه عند أهل العلم من الأدباء والبلغاء، وكذلك تقديم نماذج من روائع التشبيه تدلل على صدق ما ذهبوا إليه، ثم أخيرًا عن الفرق بين التشبيه والمجاز باعتبارهما من ألوان علم البيان، وتمهيدًا للانتقال بعد ذلك للحديث -بمشيئة الله تعالى- عن المجاز.
إن للتشبيه مكانته الخاصة من البلاغة، فهو على نحو ما وضح لنا بمسائل التعبير التصويرية، ودائمًا يستمد قوته من الخيال، كما أن الرسم والتصوير يعتمد على الأصباغ والأحجار التي تؤلف، وتصقل؛ لترمز إلى طبيعة جميلة مثلًا، أو فتنة ساحرة، أو عبقرية نادرة، نجد التشبيه يشاركهما في الإفصاح عن الفكرة، والتعبير عن العاطفة، بما فيه من عنصر الخيال الذي يقابل تلك الأصباغ والأحجار، فإذا قرأنا على سبيل المثال لأحمد شوقي يصف أحد خمائل الجزيرة:
وخميلة فوق الجزيرة مسَّها ... ذهب الأصيل حواشيًا ومتونًا
نجد أنه لا فرق بين لوحة رُسمت عليها الخميلة وقت الأصيل، وبين هذين البيتين اللذين بعثا فيها الحياة والجمال، وعُرضت فيها الخميلة مزهرة ذات دِلٍّ وإعجاب، فاللوحة المرسومة تعرض المنظر دفعة واحدة، تعاون جميع عناصره على التأثير في النفس في لحظة واحدة؛ بينما التعبير التشبيهي في قول شوقي يعرض تلك العناصر متوالية في كل بيت جزءً جزءً، حتى ينتهي المنظر عرضًا وبيانًا.