فالكناية -كما نعلم- عبارة عن لفظ أطلق وأريد به لازم معناه، مع جواز إرادة المعنى الحقيقي، نجد هذا المعنى في قول مَن يصف راعي إبل أو غنم:
ضعيف العصا بادي العُروق ترى له ... عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا
يريد أنه مشفق على غنمه، لا يقصد من حمل العصا أن يوجعها بالضرب من غير فائدة، فهو يتخير ما لَانَ من العصا، فقوله:"ضعيف العصا"، لفظ أطلق ولم يرد به حقيقةَ معناه، وإنما أراد معنًى آخرَ، هو لازمه وتاليه في الوجود، وهو الرفق واللين. العلاقة إذًا بين التورية والكناية واضحة، وهي أن كليهما لفظ له معنيان والمراد أحدهما، إلا أن الأمر في التورية على أن المعنيين يفهمان من اللفظ دون وساطة من أحدهما لفهم الآخر -كما سبق أن أشرنا- أما في الكناية فإن المعنى الثاني يكون لازمًا للمعنى الأول، وردفًا له، فضعف العصا -في المثال السابق- يلزمه الرفق واللين. وفرق آخر يتصل بقرينة كل من الكناية والتورية: فإن قرينة الكناية -كما سبق أن أشرنا في المجاز- ينبغي أن تكون ظاهرة لا خفاء فيها ولا غموض، وهذا واضح من المثال السابق. بينما قرينة التورية شرطها أن تكون خفية غير ظاهرة. ولدقة الفرق بين التورية والكناية ظن الخطيب القزويني أن قول الحماسي:
فلما نأتْ عنا العشيرة كلها ... أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر
فما أسلمتنا عند يوم كريهة ... ولا نحن أغضينا الجفون على وتر
في البيت الثاني تورية في لفظ "الجفون". وتابعه في ذلك صاحب (بديع المعاني والألفاظ) دكتور عبد العظيم مطعني، فقال: "التورية في لفظ الجفون؛ لأن