للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثامن عشر

(تأكيد المدح بما يشبه الذم، والعكس)

تأكيد المدح بما يشبه الذم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:

فنعيش مع لون آخذ بالألباب من ألوان البديع يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذم، والعكس تأكيد الذم بما يشبه المدح.

أسلوبٌ يقوم على مفاجأة السامع بصفةٍ من صفات المدح، حيث كان يتوقع صفة ذم وذلك باستخدام أداة من أدوات الاستثناء أو الاستدراك. كقول النابغة الذبياني:

ولا عيبَ فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قِراع الكتائب

فالعيب صفة ذم، وقد نفاها الشاعر عن ممدوحه، ثم استثنَى منها صفةَ مدح، وهي أن سيوفهم بها فلول من قراع الكتائب، وذلك ينم عن شجاعتهم وكثرة قتالهم، فهؤلاء لا عيبَ فيهم سوى الشجاعة إن كانت الشجاعة عيبًا، وكون الشجاعة عيبًا محال، فيكون ثبوت العيب لهم من المحال. ويتحقق التأكيد والمفاجأة بهذا الأسلوب سواء أكان المستثنى منه مثبتًا أو منفيًّا، وسواء وجد المستثنى منه أو كان الاستثناء مفرغًا، كما يتحققان أيضًا سواء أكان الاسثتناء متصلًا أم منقطعًا؛ لأن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلًا، ومثل تأكيد المدح بما يشبه الذم تأكيد الذم بما يشبه المدح.

وعليه، فإن وجه تسمية هذا اللون -بتشبيه المدح بما يشبه الذم والعكس- يكمن في أن هذا الأسلوب ألف الناس سماعه في الذم؛ لأن المتكلم عندما يذكر صفة ذم منفية أو صفة مدح مثبتة ثم يعقب بأداة استثناء أو استدراك، يتوقع السامع أن

<<  <   >  >>