الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فنتحدث عن المجاز المرسل بعلاقاته المتعددة من غير المشابهة:
والمجاز المرسل كما ذكر البلاغيون هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لعلاقة غير المشابهة بين المعنيين، وإنما سمي مرسلًا؛ لأنه أرسل عن دعوى الاتحاد المعتبرة في الاستعارة، إذ ليست العلاقة بين المعنيين المشابهة حتى يدعى اتحادهما، أو لأنه أرسل أي أطلق عن التقيد بعلاقة واحدة.
وعلاقة المجاز المرسل معناها أن يكون هناك تلازم وترابط يجمع بين المعنيين ويسوغ استعمال أحدهما في موضع الآخر، وهذه العلاقات كثيرة أشهرها ما يلي:
علاقة السببية، وهو أن يكون المعنى الموضوع له اللفظ المذكور سببًا في المعنى المراد فيطلق السبب على المسبب، والمجاز بهذه العلاقة كثير في استعمالات العرب، فمن ذلك قولهم: رعينا الغيث، فالغيث مجاز مرسل علاقته السببية؛ لأن المعنى الحقيقي للغيث سبب في المعنى المراد الذي هو النبات، وقرينة المجاز قولهم: رعينا، إذ الغيث لا يرعى، والسر البلاغي في العدول عن الحقيقة إلى المجاز في مثل هذا التعبير هو إبراز أهمية الغيث وفرحهم به، وأثره في نفوسهم حتى كأنه هو المرعي لا النبات.
ومن ذلك قول الله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة: ١٩٤) فالاعتداء الأول {فَمَنِ اعْتَدَى} قد استعمل استعمالًا حقيقيًّا والاعتداء الثاني وهو قوله: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} استعمل استعمالًا مجازيًا؛ لأن المراد به المجازاة والقصاص، فعبر بالسبب وهو الاعتداء عن المسبب وهو الجزاء والقصاص على سبيل المجاز المرسل، وتكمن بلاغة المجاز هنا بإبراز قوة