للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تأكيد الذم بما يشبه المدح

ونأتي للكلام عن تأكيد الذم بما يشبه المدح: وتأكيد الذم بما يشبه المدح له ضربان أيضًا؛ أولهما: أن يُستثنَى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم بتقدير دخول صفة الذم المستثناة في صفة المدح المنفية. مثلًا قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} (النبأ: ٢٤، ٢٥) فما قبل "إلا" نفي لذوق البرد والشراب، وما بعدها إثبات لذوق الحميم والغساق، وكلاهما ذم. ومنه قوله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ *وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} (الحاقة: ٣٥، ٣٦) فما قبل "إلا" نفي لوجود الصديق الحميم والطعام الطيب، وما بعدها إثبات لوجود الطعام الخبيث {غِسْلِينٍ}، وكلاهما ذم. ومن ذلك أيضًا قول الشاعر:

خلا من الفضل غير أني ... أراه في الحمق لا يجار

فقد نفى عنه الفضل بقوله: "خلا" هذا أولًا، ثم استثنَى من ذلك رؤيتَه له منغمسًا في الحمق لا يجاريه أحد في الحماقة. ومنه قول الآخر:

فإن من لامني لا خير فيه سوى ... وصفي له بأخس الناس كلهم

فما قبل "سوى" نفي للخير عنه، وما بعدها وصف له بأخس الناس كلهم، وكلاهما كما سبق ذم. ثاني هذه الصور -الذي يأتي عليها تأكيد الذم بما يشبه المدح: أن يثبت المتكلم للشيء صفةَ ذمٍ ويعقب كلامه بأداة استثناء أو استدراك تليها صفة ذم أخرى. مثلًا قول القائل:

لئيم الطباع سوى أنه ... جبان يهون عليه الهوان

أثبت له صفةَ اللؤم قبل "سوى" وصفة الجبن بعدها. ومنه قول الآخر:

<<  <   >  >>