إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قلنا قبل ذلك أن في الاستعارة التبعية يتحتم أن يجري التشبيه أولًا في المعاني الثابتة القابلة للوصفية، وهي المصادر، ثم يستعار المصدر المشبه به للمصدر المشبه، ويشتق منه الفعل أو اسم الفاعل أو اسم المفعول، بعد أن يحمَّل المعنى الجديد لمصدره الذي انتقل إليه بالاستعارة؛ فيكون الفعل أو المشتق حينئذٍ تابعًا لمصدره في حمل المعنى الجديد، كما رأينا فيما مضى.
وكما تقع الاستعارة التبعية في مادة الأفعال، وهي حروفها الدالة على الحدث على نحو ما رأينا، فقد تقع في صيغتها وهي هيئاتها الدالة على الزمان كصيغتي الماضي والمضارع، من ذلك قول الله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}(النحل: ١) فأمر الله لم يأتِ بعد، بدليل قوله:{فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} فكان الأصل أن يقال: يأتي أمر الله، ولكن عبر بالماضي مجازًا؛ ليفيد أن هذا الأمر محقق الوقوع؛ فقد شبه الإتيان في المستقبل بالإتيان في الماضي بجامع تحقق الوقوع في كلٍّ، ثم استعير الإتيان في الماضي للإتيان في المستقبل، واشتقَّ منه أتى بمعنى يأتي على سبيل الاستعارة التبعية في صيغة الفعل.
ومن الاستعارة التبعية في الحروف قوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}(القصص: ٨) فاللام في قوله: {لِيَكُونَ} لام العلة، وهي موضوعة لترتب ما بعدها على ما قبلها، وقد استعملت هنا في غير ما وضعت له؛ لأن ما بعدها ليس مترتبًا على ما قبلها، فهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوًّا وحزنًا، بل التقطوه ليكون لهم قرة عين يفرحون به؛ ففي لام التعليل في الآية الكريمة استعارة تبعية يقال في إجرائها على رأي الخطيب: "بها العداوة والحزن