الرحمن، وغيرهما. ومنهم مَن أجاز إطلاق السجع على ما في القرآن الكريم، ومنهم مَن منعه وأطلق عليه اسم الفواصل. فالأمر بذلك يحتاج إلى مزيد تفصيل. وكدأب العلماء قديمًا وحديثًا انقسموا فريقين، فريق يثبت وجوده في القرآن ويؤيد، وآخر ينفي ويعترض، وكل أدلى بدلوه، واستدل بأدلته.
فالمانعون -وعلى رأسهم الباقلاني- يستندون إلى أدلة كثيرة؛ منها: أن الفواصل بلاغة، والأسجاع عيب، وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني، وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها، ثم إن السجع يألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجةً في نفي الشعر؛ لأن الكهانة تنافي النبوات، كما أنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للذين كلموه في شأن الجنين:((أسجعًا كسجع الكهان))، فرأى ذلك مذمومًا، وأن لو كان في القرآن سجع لأمكن معارضته؛ لأن السجع غير ممتنع عليهم، بل هو في عادتهم. ثم إن تقديم موسى على هارون في موضع وتأخيره عنه في آخر كما جاء في سورة الشعراء وسورة طه، ليس للسجع، بل لفائدة أخرى، وهي إعادة ذكر القصة بألفاظ مختلفة تؤدي معنًى واحدًا. فالمقصد من تقديم بعض الكلمات وتأخيرها إظهار للإعجاز على الطريقين جميعًا، ثم إنه لا يقال: في القرآن أسجاع؛ لعدم الإذن الشرعي، ولا يقال في القرآن أسجاع أيضًا، إنما يقال فواصل، لقول الله تعالى:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ}(فصلت: ٣). هذه هي بعض أدلة المانعين.
أما المجيزون فأدلتهم كما أوردوها؛ هي: أن السجع ليس عيبًا، فمنه ما يأتي طوعًا سهلًا تابعًا للمعاني وبالضد من ذلك، والقرآن لم يأتِ فيه مثال من القسم المعيب؛ لعلوه في الفصاحة. كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمع الشعرَ واستحسنه، وأمر به شعراءَه، فالسجع والمزدوج دون القصيد والرجز، فكيف يحل ما هو أكثر ويحرم