للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما هو أصغر؟! ثم إن زوال التحريم بزوال العلة، فالنهي وقع عن السجع؛ لقرب عهد العرب بالجاهلية، حتى إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قيد الإنكار بالتشبيه: ((كسجع الكهان؟)) ولو كان الإنكار لذاته لقال: "أسجعًا" فقط. الأمر الذي يعني أن النهي منصب على سجع الكهان. كما أن إثبات السجع في القرآن صحيح؛ لأنه مما يبين به فضل الكلام، ولأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالتجنيس والالتفات، ثم إنه لا سببَ للفصل بين الفاصلة والسجع، فالفاصلة أو السجع في القرآن تؤدي دورها تمامًا كما تؤديه في غيره من الكلام الفني الجميل.

ويقول أحد المثبتين وهو التنوخي: "أما مَن عاب السجع مطلقًا، فمخطئ؛ لأن السجع كثير في كتاب الله وفي كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- والفصحاء كقس وسَحبان، وإنما يُعاب السجع إذا احتاج متكلفه إلى تنقيص المعنى أو زيادته، فالذي فاته من المعنى يَقبُح، وترك السجع لا يقبح، فيكون حينئذٍ السجعُ قبيحًا لاستلزام القبح. وبهذا يُجاب عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم: ((أسجعًا كسجع الكهان؟))، فإنه لو عاب السجع مطلقًا لَمَا نطق به، ولا يمكنه أن يعيبه مطلقًا؛ لمجيئه في كتاب الله تعالى كثيرًا. فالمعيب إذًا هو سجع مخصوص، وهو الذي مثَّله بسجع الكهان، وهو الذي ينقص المعنى أو يزيده". انتهى من كلامه.

يقول الإمام الشهاب نقلًا عن البقاعي في كتابه (مصاعد النظر): "اختلف السلف في السجع، فقال أبو بكر الباقلاني في كتاب (الإعجاز): ذهب أصحابنا الأشاعرة كلهم إلى نفي السجع عن القرآن، كما ذكره أبو الحسن الأشعري في غير موضع من كتبه، وذهب كثير ممن خالفهم إلى إثباته. والقول الثاني فاسد؛ لِمَا في القرآن من اختلاف أكثر فواصله في الوزن والرَّوي، ولا ينبغي الاغترار بما

<<  <   >  >>