للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكره بعض الأماثل كالبيضاوي والتفتازاني من إثبات الفواصل والسجع فيه، وأن مخالفة النظم في مثل هارون وموسى بحسبه.

ونقل أبو حيان في قول الله تعالى: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} (فاطر: ٢١) أنه لا يقال في القرآن: قَدَّم كذا أو أخَّر كذا للسجع؛ لأن الإعجاز ليس في مجرد اللفظ، بل فيه وفي المعنى، ومتى حُوِّل اللفظ لأجل السجع عما كان لا يتم به المعنى بدون سجع، نُقِضَ المعنى وقيل عليه: أنه نسي ما قاله في "الصافات"، من أن التعبير بمارد ومريد للفاصلة، ثم إنه قال: لو كان في القرآن سجع لم يخرج عن أساليب كلامهم، ولم يقع به إعجاز، ولو جاز أن يقال: سجع معجز جاز أن يقال: شعر معجز، والسجع مما تألفه الكهان، وقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على مَن سجع عنده على ما عُرِفَ في كتب الحديث، ولو كان سجعًا كان قبيحًا؛ لتقارب أوزانه، واختلاف طرقه، فيخرج عن نهجه المعروف، ويكون كشعر غير موزون، وما احتجوا به من التقديم والتأخير ليس بشيء، فإنه لذكر القصة بطرق مختلفة.

أقول -أي: الشهاب: أطال بلا طائل؛ لتوهمه أن السجع كالشعر، لالتزام تقفيته ينافي جزالةَ المعنى وبلاغته، لاستتباعه للحشو المخل، وأن الإعجاز بمخالفته لأساليب الكلام، فشنَّع على هؤلاء الأعلام وليس بشيء، والعجب منه أنه ذكر كلام الباقلاني مع التصريح فيه بأنه من السلف مَن ذهب إليه، والحق أنه في القرآن من غير التزام له في الأكثر، وكأن مَن نفاه نفَى التزامه أو أكثريته، ومَن أثبته أراد وروده فيه بالجملة، فاحفظه، ولا تلتفت لما سواه، وهذا ينفعك، والذي عليه العلماء أنه تُطلق الفواصلُ عليه دون السجع". انتهى من كلام الشهاب.

المرجح إذًا من ذلك والأولى كما قال العلماء أن نقول عما جاء في القرآن على هيئة السجع فواصل؛ تأدبًا مع كلام ربنا -سبحانه وتعالى- ولنا في إمام مدرسة المتأخرين الإمام

<<  <   >  >>