أولًا: أن المجاز قد ورد في اللغة وفي القرآن الكريم، فنحن نقول مثلًا: رأيت أسدًا، وتريد رجلًا شجاعًا، والله -عز وجل- يقول:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}(يوسف: ٨٢)، ويقول:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}(الإسراء: ٢٤) والقرية لا تسأل، وليس للذل جناح، فالمعنى على المجاز.
ثانيًا: أن المجاز يُفارق الكذب، في أن الكذب لا تأويل فيه، والمجاز مبني على الصرف عن الظاهر والتأويل، وذلك بادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، وصيرورته فردًا من أفراده.
كما أن المجاز لا بد فيه من نصب قرينة على إرادة خلاف الظاهر من اللفظ مانعة من إرادة المعنى الحقيقي له. أما الكذب فليس فيه قرينة على إرادة غير الظاهر، بل إن قائله يبذل قصارى جهده لترويج ظاهره، وإبراز صحة باطله.
ثالثًا: أن القائلين بأن أكثر اللغة مجاز قد بنوا رأيهم على كثير من التدقيق الذي تنفر من طبيعة اللغة؛ لأنه تدقيق لا يصل بنا إلى غاية مرجوُّة، ولو قلنا -مثلًا- مرض زيد، أفادت هذه الجملة الإخبار بمرض زيد، ولو ذهبنا ندقق أي مرض أصابه، وأي جزء منه مرض، وإذا كان الجزء المريض من زيد هو الإصبع، فأي موضع منه، وأي أصبع من أصابعه، وهل كل الإصبع، أم إحدى أنامله؟
للاحظنا أن هذا تدقيق لا غاية وراءه، ولا فائدة ترتجى منه، بل إن طبيعة اللغة وعفوية الدلالة تتنافى معه وتأباه تمامًا، وبهذا يتضح لنا أن إنكار الحقيقة في اللغة إفراط، وإنكار المجاز تفريط؛ فالمجازات لا يمكن دفعها، والحقائق لا يتأتى إنكارها، الرأي السديد هو أن اللغة والقرآن الكريم يشتملان على الحقائق والمجازات معًا، فما كان من الألفاظ مفيدًا لما وضع له في الأصل فهو حقيقة، وما