للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكلمة صحا أي: أفاق من السكر، ومستعار هنا للسلو وزوال العشق، وأقصر أي: امتنع عن قدرة وعرِّي أي: عطل، والرواحل هي الشديدة من الإبل التي تقوى على الأحمال والأسفار، فهنا إن جُعل الصبا مأخوذًا من الصبوة، وهي الفساد، والجهل، والانهماك في اللذات، فيكون قد شبه الصبا بجهة من الجهات التي يُسافر إليها كالحج، والتجارة، انتهت حاجته منها فعاد إلى داره، ورفع عن الأفراس سروجها، وعن الإبل رحالها، ثم تنوسي التشبيه، وادعي دخول المشبه في أفراد المشبه به، الذي طوي، ورمز له بلوازمه، وهي الأفراس والرواحل التي عُريت، ثم أسندت تلك اللوازم إلى المشبه وهو الصبا على سبيل التخييل.

أما إذا جعل الصبا مأخوذًا من الصباء، وهو الشباب وصغر السن، فيجوز جعله استعارة مكنية أيضًا على معنى أن الشباب قد ولى وانقضى، فيكون قد شبهه بجهة لا يُذهب إليها، ثم ترى المشبه به وأسند لازمه، وهي الرواحل والأفراس إلى المشبه وهو الصبا.

ومن شواهد الاستعارة المكنية في نظم القرآن الكريم قول الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (الإسراء: ٢٤)، فهنا شبه الذل بطائر، ثم حُذف ورُمز له بلازمه، وهو الجناح، وأثبت هذا اللازم للمشبه؛ لعلك تستشعر ما وراء الاستعارة في الآية الكريمة من حثٍّ للمؤمن على الخضوع لوالديه، وأن يكون في خضوعه وبرِّه كالطائر الذي يرفرف بجناحيه حنوًّا وحنانًا.

ومن شواهدها قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} (البقرة: ٢٧) يقول الزمخشري في بيان الاستعارة في الآية الكريمة: "فإن قلت: من أين ساغ استعمال النقض في إبطال العهد، قلت: من حيث تسميتهم العهد بالحبل

<<  <   >  >>