ينازعني رداء عبد عمرو ... رويدك يا أخا عمرو بن بكر
لي الشطر الذي ملكت يميني ... ودونك فاعتجر منه بشطري
أعتجر من الاعتجار وهو الاعتمام، ويقصد فاعتجر منه بشطري أي: بصدر السيف، فهنا استعار الرداء للسيف بجامع أن كلًّا منهما يصون صاحبه، وتم استيفاء القرينة بقوله:"لي الشطر الذي ملكت يميني"؛ لأن ما يكون باليمين هو السيف الذي يحارب به لا الرداء، ثم ذكر الاعتجار وهو ما يلائم المستعار منه، وهو الرداء، ولطالما أدركت معي أن الاستعارة مبنيَّة على تناسي التشبيه وادِّعاء دخول المشبه في جنس المشبه به؛ فقد وضح لك أن الترشيح أبلغ من التجريد ومن الإطلاق؛ لأن التناسي فيه أقوى وأتم، ودعوى الاتحاد فيه أظهر وأوضح، صار المشبه نفس المشبه به، وصرنا نصفه بأوصافه، ونتبعه بملائماته، فعندما يقول أبو تمام:
ويصعد حتى يظن الجهول ... بأن له حاجة في السماء
نراه قد أمعن في تناسي المشبه، إذ جعل الصعود المعنوي والارتقاء إلى مراتب المجد صعودًا حسيًّا، وبالغ في ذلك بذكر ما يُلائم المشبه به؛ فجعل الجاهل الذي لا يعرف همم الممدوح يظن أن له حاجة في السماء، فهو يصعد لينال تلك الحاجة، وعليه قول بشار:
أتتني الشمس زائرة ... ولم تك تبرح الفلك
حيث استعيرت الشمس للمحبوبة، ثم أمعن في تناسي التشبيه، وادَّعى أنها غادرت مكانها في السماء، وأقبلت إليه زائرة، ولم تكن قبل ذلك تبرح الفلك، فبنى الكلام على أنها شمس حقيقية، ولهذا صحَّ التعجب في قول المتنبي:
كبرت حول ديارهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق