للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

امتلائهم بها، وكذلك بتعليق الجار والمجرور، وهي كلمة "عليه" بالفعل "سال"؛ ليدل على شدة طاعتهم له، فسيرهم كان عليه ومن أجله.

وكذلك أزالها بتشبيه وجوههم بالدنانير في الإشراق والبهجة؛ ليدل على حبهم له ورغبتهم في نصرته، وإجابته، وبهذا تحولت الاستعارة في البيت من الابتذال إلى الغرابة، من ذلك قول آخر:

فَرَعاءُ إِن نَهَضَت لِحاجَتِها ... عَجِلَ القَضيبُ وَأَبطَأَ الدِعصُ

القضيب: هو الغصن، والدعص هو كثيب الرمل المجتمع، فهنا استعار القضيب للقامة، والدعص للردف، وهما استعارتان مبتذلتان لكن الشاعر أزال ابتذالهما بوصف القضيب بالعجلة، والدعص بالإبطاء؛ إذ أكد الوصفان رشاقة القامة عظم الردف، وكذلك بإسناد عجل إلى القضيب، وأبطأ إلى الدعص؛ حيث أديا إلى المبالغة في رشاقة قامتها، وضخامة عجزها، وكذلك بالطباق بين عجل وأبطأ؛ فقد أبرز هذا الطباق حسن القامة والردف، إذ الضد يُظهر حسنه الضد، ثم أخيرًا أزاله بتعدد الاستعارة.

ومن الاستعارة البعيدة قول امرئ القيس:

فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف إعجازًا وناء بكلكل

فهنا استعار الصلب لوسط الليل، وجعله يتمطى؛ ليزداد طوله، واستعار الصدر لأوله، وجعله ثقيلًا يُقعده عن الحركة، واستعار الأعجاز لآخره، وجعلها تترادف وتتوالى؛ ليدل على طول الليل وامتداده، فكل استعارة من هذه الاستعارات الثلاث إذا انفردت صارت عامية مبتذلة، لكن اجتماعها حقق غرض الشاعر وهو إبراز طول ليله، ورسم صورة متكاملة بين ليله وبين الفرس. ولذا صارت الاستعارات في البيت غريبة بعيدة.

<<  <   >  >>