للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن إطلاق اليد وإرادة النعمة قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه: ((أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدًا)) ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل اليد مجازًا هنا عن العطاء أو الإنعام، ويدل على ذلك أفعل التفضيل إذا كان مشتقًا من الطول بمعنى الفضل، والمعنى عندئذ: أسرعكن لحوقا بي أفضلكن نعمة، والنعمة توصف بالفضل على جهة الحقيقة فلا ترشيح للمجاز عندئذ.

وقد كن -رضوان الله عليهن- يعتقدن حمل اليد على حقيقتها حتى بدا من خلال القرائن حمل اليد على المجاز، وكان على رأس هذه القرائن وفاة زينب -رضي الله عنها- بعده -صلى الله عليه وسلم- ومباشرة، وهي لم تكن أطول نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- يدا من ناحية الذات، فدل هذا على إرادة المجاز لعلاقة السببية، أما حملها على ذلك بدون قرينة فلا.

ومن هنا لا يقال في قول الله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: ١٠) أن اليد هنا بمعنى القدرة لخلو الكلام من القرينة، والقول بأن اليد في الآية من باب استعمال اليد في النعمة والقدرة هذا كلام يحتاج إلى نظر؛ فإنه على هذا التأويل لا توجد قرينة واحدة دالة على إخراج اليد عن معناها الحقيقي إلى معنى القدرة، والكلام على غير ذلك لا يصح، وهذا مما عمت به البلوى وراج أمره على أهل العلم قديمًا وحديثًا.

وفي رده على ما ذكر يقول ابن القيم فيما يعد الصواب في تأويل الآية: "لما كانوا -أي الصحابة- يبايعون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأيديهم ويضرب بيده على أيديهم، وكان رسول الله هو السفير بينه تعالى وبينهم؛ كانت مبايعتهم له مبايعة لله -عز وجل، ولما كان سبحانه فوق سمواته على عرشه وفوق الخلائق كلهم كانت يده فوق أيديهم، كما أنه سبحانه فوقهم فهل يصح هذا لمن ليس له يد حقيقية".

ثم إن الأصل في الكلام -وهذا ما يجب الانتباه إليه- أن يحمل على حقيقته، فلا يخرج به عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند تعذر الحمل على الحقيقة، كما أن الأصل

<<  <   >  >>