فقد ذكر كلمة القوافي والقافية، وأراد بهما القصائد والقصيدة مجازًا مرسلًا علاقته الجزئية، حيث إن القافية تطلق على آخر البيت، لكن هنا مقصود بها القصيدة أو القصائد وقد ذكر بذلك الجزء وأراد الكل.
هذا ويشترط في الجزء الذي يراد به الكل أن يكون مما جرى العرف على استعماله في الكل، أو يكون لهذا الجزء اتصال وثيق بالمعنى المراد.
وقد ورد أن القرآن يسمي الصلاة قياما سجودًا؛ لأنهما ركنان أساسيان من أركانهما كما يسميها ذكرًا أو ركوعًا في قوله:{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}(آل عمران: ٤٣) كل هذه أساسيات في الصلاة، ولم نر القرآن يسمي الصلاة مثلا تشهدا أو بسملة أو غير ذلك، وقد عبر عن الإنسان بأجزاء مختلفة في القرآن الكريم، فنرى مثلًا يعبر القرآن بالرقبة وبالعين وبالوجه، وبالكف، وبالقدم، وبالقلب، ولا يصلح جزء من هذه الأجزاء مكان الآخر لاختلاف السياق الذي يقتضي هذا الجزء دون ذاك.
انظر مثلا إلى قول الله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ}(البلد: ١٢، ١٣) وقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}(المجادلة: ٣) فقد عبر هنا عن العبد أو المولى في الآيتين بالرقبة؛ لأنها أهم جزء في الإنسان، ولأن معاني السيادة والعبودية تظهر أوضح ظهور في الأعناق.
وقريب من هذا قوله:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}(الشورى: ٣٠) وقولهم: بث الأمير عيونه في المدينة، وعين العدو تجول في البلد، ويريدون بالعين هنا الربيئة أو الجاسوس، فسمى الجاسوس عينا باسم جزئه؛