أهمها أن لفظ منع على معناه الحقيقي و"لا" صلة زائدة، والمعنى: ما صرفك عن اتباعي وعن السجود؟. المعنى الثاني: أنَّ مَنَعَ ليس مأخوذًا من المنع بمعنى الصرف، بل هو من المنعة والحماية، فيكون المراد: ما حماك مني حين تركت السجود؟ وما حماك حين تركت اتباعي؟ وعندئذ لا مجاز في اللفظ؛ لأن منع بمعنى حمى حقيقة لغوية.
ولا يقال: أن جواب هارون: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي}(طه: ٩٤) وجواب إبليس: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}(ص: ٧٦) يقضي ببطلان هذا الرأي؛ لأنا نقول: إن الجواب لا يتحتم أن يكون على وفق السؤال، بل كثيرًا ما يجاب المستفهم بغير ما يتطلب استفهامه لسر ولغرض بلاغي يقتضيه المقام، كما في الآيات الكريمة:{أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}(الأعراف: ٧٥) وقوله: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ}(الأعراف: ١٢٧) وكذا قوله: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}(الأنبياء: ٥٢، ٥٣) إلى غير ذلك من الآيات التي جاء فيها الجواب مخالفًا للسؤال.
والسر البلاغي في العدول عما يتطلبه هذه الأسئلة وأمثالها، يرجع إلى ما عليه النظم الكريم من التسليم بأنه لا كالئ يحرسه ولا حامي يحميه، وكأن المسئول قد فتش ونقب، فلما لم يجد منعة ولا حماية أجاب بما أجاب.
الأمر الثالث: أن تكون الآيتان بتقدير "في" لا بتقدير "من" والمعنى: ما سبب امتناعك في تركك اتباعي وفي تركك السجود، وأيًّا ما كان فهي تخريجات لا تخرج المعنى في الآيتين الكريمتين عن المراد منهما.