بالاستعارة حيا متحركا. ولننظر مثلًا إلى قول الله تعالى:{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}(التكوير: ١٧، ١٨) فقد استعير التنفس لظهور الصبح وانتشار ضوئه، وثمة فرق بين الظهور وانتشار الضوء وبين التنفس، ذلك أن الاستعارة هنا بثَّتْ في الصبح الحياة وأضفت عليه صفات الكائن الحي، وفيها بالإضافة إلى ذلك إيحاء بثقل الليل وكربه وهمومه، وكأن في ظهور ضوء الصبح إزاحةً لهذه الكربات وإزالةً لتلك الهموم، وكأن الصبح يلتقط أنفاسه بزوال ظلمات الليل.
ومن ذلك قول الله تعالى:{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ}(الملك: ٦، ٧) فقد استعير الشهيق للصوت الفظيع، وقوله -عز وجل-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ}(الأنبياء: ١٨) فقد استعير القذف للإيراد والدمغ للإذهاب، ولا يخفَى ما في الاستعارتين من بث الحياة في جهنم ومن تجسيد الحق والباطل، حتى كأن الحق قذيفة أصابت الباطل فقضت عليه ومحقته.
من ذلك أيضا قول الله تعالى:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}(هود: ٧٤) فهنا جسَّدَ القرآن الروعَ إنسانًا يذهب والبشرى شخصًا يجيء. وبمثل ذلك يقول تعالى في وصف النار:{إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى}(المعارج: ١٤ - ١٨) فجعل النار داعيةً دعو أصحابها إليها والناس عنها في انصراف.
ومثله كذلك قوله في وصف الأرض القاحلة المقفرة:{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}(الحج: ٥) ويقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}(فصلت: ٣٩) فالأرض مرة تكون هامدة ومرة تكون خاشعة، فتخلع عليها صفات