للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموضعين على إزالة الاجتماع ونفيه. فإن قلتَ: قطع عليه كلامه، أو قلت: نقطع الوقت بكذا كان نوعًا آخر، ثم إن هذه الاستعارة التي تشبه الحقيقة أو التي هي شبه الاستعارة -كما يقول عبد القاهر- قد أَثْرَتْ المعنى بما لا تجده في مثل قولنا: وفرقناهم في الأرض أممًا؛ وذلك لأن التقطيع يشير إلى معنى نفسي دقيق؛ هو هذه الوشائج والعلائق التي تقوم بين الجماعة القائمة في مكان واحد والمجتمعة في أرض واحدة، والتي هي أشبه باللحمة في الثوب. وقوله: {وَقَطَّعْنَاهُمْ} يشير إلى تقطيع هذه الصلات والروابط المتلاحمة والتي تربط الأخ بأخيه والوالد بولده والصاحب بصاحبه، وفي ذلك تصوير لآثار هذا التفريق وفِعله في نفوسهم، وربما لا تجد هذا في كلمة فرقناهم.

وقد جسد القرآن معنى ذهاب روابط النفوس وتواصلها في هذه الكلمة في تصوير حسن، وسياق حافل بمشاعر اللهفة والندم، في قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} (الأنعام: ٩٤) فانظر إلى قول الله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} وكيف كان هذا الاستئناف وهذا القطع في بناء الجملة تهيئة لتجسيد هذا المعنى وتركيزه في كلمة: {تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}.

قال الشريف الرضي: لا فصائل هناك على الحقيقة فتوصف بالتقطع وإنما المراد: لقد زال ما بينكم من شبكة المودة وعلاقة الألفة التي تشبه -لاستحكامها- بالحبال المحصدة والقرائن المؤكدة.

ومثل هذا تجده في قول الله تعالى في شأن سبأ الذين كان لهم في مسكنهم آية: {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} (سبأ: ١٥) والذين كانوا يتواصلون ويهنئون في بلدة

<<  <   >  >>