رقاق النعال طيب حُجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
فالانتقال هنا من رقة النعال إلى الترف والسيادة، ومن طيب الحجزات إلى العفة، من الكنايات البعيدة؛ لاحتياج هذا الانتقال إلى وسائط، فرقة النعال تستلزم عدم المشي بها، وعدمُ مشيهم بها يستلزم ركوب الخيل، وركوبهم الخيل يستلزم الشرف والسيادة، وكذا طيب الحجزات يستلزم ابتعادهم عن الفواحش والموبقات، وابتعادهم عنها يستلزم العفة، فهما إذن كنايتان بعيدتان.
وكذا الانتقال من النجاة من اللوم إلى العفة بواسطة النجاة من موجبات اللوم، أي: الابتعاد عن الفواحش والموبقات في قول الشاعر -الذي سبق ذكره-:
يبيت بمنجاة من اللوم بيتها ... إذا ما بيوت بالملامة حلت
فالنجاة من اللوم تستلزم النجاة من موجباته، والنجاة من موجباته تستلزم العفة، وكذا الانتقال من كثرة الرماد إلى صفة الكرم في قولنا: فلان كثير الرماد، إذ ينتقل الذهن والفكر من كثرة الرماد إلى صفة الكرم بعدة وسائط، فكثرة الرماد تستلزم كثرة إيقاد النار تحت القدور، وتلك تستلزم كثرة الطبخ، وهذه تستلزم كثرة الأَكَلة، وكثرتهم تستلزم كثرة الضيوف، وهذا دليل الكرم.