تستلزم كثرة المترددين، فالبعض يذهب والبعض يأتي والدار تظل عامرة بهم، وهذا دليل الكرم وكثرة الجود، وفي قوله:"مأهولة"، إيحاء بكثرة الكرم وحسن الضيافة؛ لدلالتها على أن من يحل بالدار يصير أهلًا لها، فلا يشعر بغربة ولا جفوة.
ونظير هذا قول آخر في أنس الكلب بالضيوف:
يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلًا ... تكلمه من حبه وهو أعجم
فقد بالغ في أنسه بالضيوف وجعله يكاد ينطق، فيرحب بهم، وذلك من فرط حبه الناجم عن كثرة مشاهدته للضيوف حتى أَلِفهم. ونلاحظ هنا مدى التفاوت في الدلالة على الكرم باستخدام الكلب واستغلال ما عرف عن طباعه وخصوصياته، فقد عرف عنه أنه ينبح عند مشاهدة الغريب ويطارده بنباحه، فإذا ما كف عن النباح وجبن أمام الغرباء دل هذا على كرم صاحبه، وهذا ما نراه في البيت الأول، أما إذا ما تحول جبنه إلى إلفه الزائر وأنسه به، فهذا يدل على المبالغة في كرم صاحبه، وهذا ما نراه في أبيات نصيب، أما كلب نظيره فقد تحول أنسه إلى حب مفرط يكاد معه أن ينطق مرحبًا بالضيف، وهذا من دون شك أدعَى إلى الاتصاف بالكرم من كل ما سبق.
ومن الكناية البعيدة قول شاعر في الكناية عن الكرم أيضًا:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
يريد أن يقول: إنه يذبح العوذ ولا يتركها تتمتع بفصالها، أو أنه يذبح الفصال فيحرم العوذ من التمتع بها، أو أنه يذبحهما معًا قبل أن تتمتع العوذ بفصالها، وذلك كي يقدم لحومها للضيوف، كما أنه إذا ابتاع نوقًا لا تبقى عنده طويلًا؛ لسرعان ما يذبحها ويقدمها طعامًا لضيوفه، ففي كل شطر من شطري البيت كناية