ويلي عبد الله بن المعتز في درجة الاهتمام بأصول وفنون علم البديع، قدامة بن جعفر في كتابه (نقد الشعر) فقدامة المتوفي سنة ٣٣٧ كان مثل أبيه جعفر من كتاب الديوان العباسي بغداد، وكان في أول أمره نصرانيًّا، ثم دخل في الإسلام على يد الخليفة المكتفى، واشتهر بين معاصريه بثقافته العميقة بالفلسفة والمنطق.
وقد دفعه عمله في الديوان إلى تأليف كتابين هما (الخراج) و (صنعة الكتابة وجواهر الألفاظ) كما دفعته ثقافته الفلسفية إلى التصنيف في السياسة وصناعة الجدل، وهو يستهل كتابه (نقد الشعر) بأن العلم بالشعر ينقسم أقسامًا؛ قسم ينسب إلى علم عروضه ووزنه، وقسم ينسب إلى علم قوافيه ومقاطعه، وقسم ينسب إلى علم غريبه ولغته، وقسم ينسب إلى علم معانيه والمقصد منه، وقسم ينسب إلى علم جيده ورديئه، ويقول: إن الناس عنوا بوضع الكتب في القسم الأول وما يليه إلى الرابع عناية فائقة، أما القسم الأخير فإنه لم يجد فيه كتابًا منظمًا، ومن ثم كان الناس يخبطون فيه منذ تفقهوا في العلم وقليلًا ما يصيبون.
وهو بذلك كأنه يريد أن يلغي كل ما ألف قبله في تمييز جيد الشعر من رديئه، أو هو على الأقل لا يعترف بأن أحدًا كتب شيئًا يغني بعض الغناء في هذا الموضوع، فلا ثعلب في (قواعد الشعر) ولا ابن المعتز في كتاب (البديع) ولا غيرهما ممن سبقوه وعاصروه قد كتب فيه شيئًا بحد زعمه.
ويبدو أن ابن قدامة قد تأثر في كتابه بالفكر اليوناني في تنظيمه للكتاب؛ إذ جعله فصولًا ثلاثة، أما الفصل الأول: فبدأه بتعريف الشعر وببعض مقدمات ضرورية ثم بيان أجزائه، وأما الفصل الثاني: فتحدث فيه عن نعوت الجودة في الشعر، وأما الفصل الثالث: فخصه بعيوب الشعر، ونعوت رداءته. في الفصل الثاني الذي خصه بنعوت الجودة مضَى يوزعها على عناصر الشعر مفردة ومرتبة بالصورة التي صورها آنفًا، وبدأ باللفظ فقال: إن نعت جودته أن يكون سمحًا سهلًا مخارج الحروف من مواضعها، عليه رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة.