فقد طابق الشاعر بين هاتا وتلك؛ لما في هاتا من القرب، وتلك من البعد، وهذا كافٍ في تحقيق التنافي الموجب للمطابقة.
ومن ثم فقد جاء تعريف الآمدي للطباق مؤكدًا لهذا العموم في التنافي، حيث عرفه: بأنه مقابلة الحرف لضده أو ما يقارب الضد، وما سبق ليس تقسيمًا للطباق ولا للعلاقة التي تكون بين معنيين متقابلين، وإنما هو محاولة لحصر أنواع العلاقة بين المعنيين أو ذلك القدر من التنافي الذي يحقق المطابقة بين معنيين.
ونحن إذا نظرنا إلى معنى المطابقة في لغة العرب ومعناها في اصطلاح البلاغيين، نجد المناسبة بين المعنيين واضحةً جليةً، متينةً قويةً؛ لأن المتكلم وفّق بين المعنيين المتقابلين كما يوفّق بين الشيئين المختلفين، فيُجعلَا على حذو واحد، أو كما يوفّق بين القميصين فيجعل أحدهما فوق الآخر، وجعل المتكلم الضدين متوافقين حيث وفّقا في جملة واحدة واستويَا في ذلك مع بُعد الموافقة بينهما، أشبه بوضع الغطاء على الشيء؛ حيث جُعل الشيء متوافقًا مع غطائه وملتحمًا معه، كما أنه أشبه بوضع الفرس رجله في موضع يده؛ لأن يده ورجله المتقابلتين إذا التقتَا في موطئ واحد وجمعَا في مجمع واحد، فقد حصل بينهما توافق وتناسق.
وعلى الجملة، فإن مادة المطابقة إذا كانت تدور في لغة العرب حول الموافقة والمساواة، فإن المتكلم المطابق في كلامه يوافق بين المعنيين المتقابلين، ويسوي بينهما.
وبذا نكون قد وقفنا عند هذه الضوابط التي بها نستطيع أن نتعرف بعض الشيء على هذا اللون المهم من ألوان البديع.