والذي ذهب إليه السبكي هو في الحقيقة بعيد، فالنظر إلى أصل الكلمات دون نظر إلى النفي والإثبات يهدم طباق السلب من أساسه، والسبكي نفسه يعترف أن مقاييسه التي قررها هنا، لا تنطبق على قول الله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(الروم ٦، ٧)، فالنظر إلى أصل الكلمات قبل النفي ينفي أن يكون في الآية الكريمة طباق، وأهل الفن يذهبون إلى أنها من الطباق، والأمثلة التي أوردها وأخذ يؤولها لتتفق مع نظرته، لا يستقيم التأويل فيها، وفي الآية الأولى وهي قوله تعالى:{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُود} حسبان اليقظة إثبات لها، وإن لم يكن يقينًا فهو إثبات راجح، وفي الآية الثانية قوله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} يثبت الموت أولًا ثم يحييه الله تعالى، ولو لم يكن هناك موت لما كان هناك معنى للإحياء، فهما أمران ثابتان يقينًا.
وفي الآية الثالثة:{فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} نهي عن الخشية من وجه وأمر بها من وجه آخر، واحتساب المتعلق في التعبير ضرورة، والتضاد بين الأمر بالفعل والنهي عنه، واضح في هذه الآية وفي غيرها.
وهكذا يتبين لنا أن ما ذهب إليه السبكي لا يستقيم له ولا يضطرد فيه قياس باعترافه هو.
ومن الواضح في هذا اللون أن المعاني لا تتضاد؛ لأن المعنى المضاد يحوله النفي إلى موافقة المعنى الآخر، ووجود اللفظين المتضادين في التعبير يوهم أن هناك تضادًّا، وما دامت حقائق المعاني لا تتضاد في مثل هذا اللون فلا ينبغي أن يدخل دائرة الطباق؛ لأن الطباق قائم أساسًا على التضاد في الجملة بين الألفاظ والمعاني جميعًا، وهذه قاعدة مهمة، أو بين المعاني وحدها على أقل تقدير، والذي معنا