يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومِن إساءة أهل السوء إحسانا
ففي الشطر الثاني طباق ظاهر بين الإساءة والإحسان، ولكن في الشطر الأول نجد الظلم والمغفرة وهما لا يتضادان، فالذي يُضاد الظلم هو العدل أو الإنصاف، ولما كانت المغفرة تجاوزًا عن المجاوزة أو الرد على الظلم كانت قريبة من العدل؛ لأن المجازاة الصحيحة يجب أن تكون مساوية للظلم الواقع عليك، فإذا تجاوز الجزاء مقدار الظلم لم يكن عدلًا وإنما يكون ظلمًا وعدوانًا، ومن هنا اشترطت المثلية في الرد على العدوان في قوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم}(البقرة: ١٩٤) وإذا لم يستطِعْ الإنسان أن يزن الرد بميزان دقيق بحيث لا يتجاوز الظلم الواقع عليه، فيقع في العدوان، فأولى به أن يغفر، ومن هنا كانت المغفرة أقرب إلى العدل فألحقت بالطباق. ومن ذلك أيضًا قول بن المعتز:"طلاق الدنيا مهر الجنة".
فالذي معنا هنا هو الطلاق والمهر، ولا تضاد بينهما، والذي يُضاد الطلاق هو الزواج، ولكن لما كان الزواج لا يتم بدون مهر كان ذلك قريبًا مما يُضاد الطلاق، فألحق بالباطن.
والصورة الثانية التي تلحق بالطباق: هي إيهام التضاد، وهو الجمع بين لفظين يتضادان في ظاهرهما ولكن معنيهما غير متضادة؛ لأنها لم تُستخدم في حقائقها ولم تُنقل إلى معانٍ متضادة للمجاز، فالتضاد هنا تضاد ظاهري فقط، فالطباق لا يقوم على التضاد في ظاهر الألفاظ وإنما يقوم على التضاد في المعاني، ومن ذلك قول مسلم بن الوليد: