الأول: أن يجتمع اللفظان المتضادان وأحدهما مثبت والآخر منفي، فلا تضاد بين معنييهما في الحقيقة كما في قوله تعالى:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}(التحريم: ٦)، فالمعصية منفية وفعل المأمور به مثبت، والمؤدَّى واحد فلا تضاد إلا على تأويل، لا يعصون الله في الحال ويفعلون ما يؤمرون في المستقبل.
الثاني: أن يجتمع اللفظان اللذان يتضاد معنياهما الحقيقيان في أصل الوطء ولكن يعبر بهما عن معان غير متضادة، ويكون هذا بالمجاز تارة وبالتورية تارة أخرى في أحد اللفظين، أو فيهما معًا، ومثاله كما ذكرنا قوله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}(الأنعام: ١٢٢)، فإنه بالنظر إلى كونه كان ميتًا يُفهم أنه حي فهو يوافق أحييناه، والحق أنه أثبت الموت أولًا، ثم الإحياء فيما بعد، وهما على أي حال مجازان.
الثالث: أن يجتمع اللفظان وليس بينهما تضاد لا في اللفظ ولا في المعنى، ولكن بين أحدهما وما يُضاد الآخر نوع تعلق كما في قوله تعالى:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم}(الفتح: ٢٩)، فالمذكور -كما قلنا- الشدة والرحمة، وهما لا يتضادان لا لفظًا ولا معنًى، ولكن الرحمة تتعلق بما يُضاد الشدة وهي اللين تعلق سببي.
ولنتساءل الآن: لِمَ كان نوع الطباق في قوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} موضعَ نزاع بين علماء البلاغة؟ وما وجه ذلك النزاع؟ وما السبب فيه؟ مع ذكر مثالين توضح من خلالهما مرادَ البلاغيين بما هو ملحق من التضاد بالطباق.