للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليمًا أو أصابك جاهل

وقال: لما وجده خلافًا له طابق بينهما كما يُفعل بالضد وإن كان الخلاف مقصرًا عن رتبة الضد في المباعدة، والناس متفقون على أن جميع المخلوقات مخالف وموافق ومضاد، فمتى وقع الخلاف في باب المطابقة فإنما هو على معنى المسامحة وطرح الكُلفة والمشقة.

هذا هو مقياس التطابق الظاهر وهو مقياس يتسع لطباق السلب وطباق الكلمات المتناقضة والمتضادة بل والمخالفة أيضًا متى لُمح التضاد بينهما قريبًا لا يحتاج إلى تأويل؛ لأن الأمر مبني على المسامحة وطرح الكلفة والمشقة على حد تعبير ابن رشيق.

أما إذا فقد التضاد بين الألفاظ وبقي بين المعاني وحدها فهذا هو الطباق الخفي، يستوي في ذلك أن تُستفاد المعاني المتضادة من لفظين مفردين أو من تركيبين أو من لفظ مفرد وتركيب، والطباق في المعاني وحدها المستفادة من الألفاظ المفردة كالطباق بين قِصاص وحياة في الآية الكريمة، وبين وعول وتحوت في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين هاتا وتلك في بيت أبي تمام، وبين معدي وقصر في بيت الأبيرد، وبين صارخ وصراخ في بيت ابن جندل، والطباق الحادث بين المعاني المفردة وحدها المستفادة من التراكيب كثير كسابقه، والطباق بين: {أُغْرِقُوا} و"أدخلوا نارًا"، ومثله كذلك قول بعضهم:

فإن تقتلوني في الحديد فإنني ... قتلت أخاكم مطلقًا لم يكبّل

حيث طابق بين قوله: فإن تقتلوني في الحديد، ويعني به فإن تقتلوني مكبلًا، وبين: قتلت أخاكم لم يُكبل، فلا تضاد في الألفاظ المفردة هنا ولكن التضاد بين التراكيب، والطباق بين المعاني المستفادة من لفظ مفرد وتركيب كقول المقنع الكندي:

<<  <   >  >>