للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحَزمُ وَالقُوَّةُ خَيرٌ مِنَ ال ... إِدهانِ وَالفَكَّةِ وَالهاعِ

وهذه صورة من المقابلة لم تُعرف ولم تشتهر، لكنها ليست بغريبة ويمكن قبولها والتوسع في دراستها والنظر في شواهدها، فبيت أبي نواس عدّه ابن رشيق من المقابلة مع أن طرفيه مشبه وهو الفرد الجامع للدنيا والدين، ومشبه به وهو السهم الجامع للفوق والريش والنصل، وليس هناك تضاد بين أي من الثلاثة في السهم مع أي من الاثنين اللذين جمعهما الفضل.

والمقابلة الشائقة في كتب المتأخرين هي المقابلة القائمة على الأضداد أو ما يقاربها، وعلى هذا فلا يكون في البيت مقابلة على المعنى المشهور، وإن كان له وجه على بعض المعايير القديمة.

أما البيت الثاني، فإنه قابل فيه بين الحزم والادهان وبين القوة والفكه وبين الهاع خارجًا، وبقي الهاع خارجًا عن دائرة المقابلة، ومعناه كما قلنا: الجبن والخِفة، وهذه الكلمة الأخيرة يمكن أن تتقابل مع الأول والثاني معًا، ويبقى فيه أن العدد القليل "الحزم والقوة" خير من العدد الكثير "الادهان والفكه والهاع"، ومما يتضح في هذا الأمر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المجادلة: ٩)، فهذه الآية الكريمة قوبل فيها بين اثنين وثلاثة؛ ثلاثة منهي عنها واثنان مأمور بهما، فالإثم يقابله البِر ومعصية الرسول يقابلها التقوى، ويبقى العدوان وهو وسط هذه المرة، وهو يمكن أن يقابل الأمرين معًا البر والتقوى، فالخروج على البر يمكن أن يكون عدوانًا، والخروج على التقوى عدوان أيضًا، والآية توحي بأن ما ينبغي أن يتوجه إليه الإنسان أقل عددًا وكُلفةً مما هي منهي عنه، فلماذا يدع الإنسان القليل المأمور به إلى الكثير المنهي عنه؟!

<<  <   >  >>