الشبه الذي هو أن كلًّا منهما وضع موضع الزينة في موضع لا يظهر له فيه أثر، هذا هو الضرب الثاني من ضروب التشبيه باعتبار الإفراد، والتقييد، والتركيب.
من ضمن هذه الأنواع تشبيه المفرد بالمقيد مثل قول الله تعالى:{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}(القمر: ٧)، فالمشبه هو الخلائق في هذا اليوم العصيب يوم القيامة، والمشبه به هو الجراد مقيدًا بكونه منتشر، وجه الشبه الكثرة، والتدافع، وجولان بعضهم في بعض، هذا موجود في المشبه، وموجود في المشبه به.
مثاله كذلك قول الله تعالى:{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}(القارعة: ٥، ٦) فالمشبه هنا المفرد وهو الناس، والمشبه به الفراش مقيدًا بكونه مبثوثًا، فانظر كيف أن تعلم البلاغة يجعلنا نفهم ما جاء في القرآن الكريم، يعني: لو أن واحدًا جاء مثلًا، وقال: كأنهم جراد منتشر، وأن الله شبههم بالجراد فقط، وانتهى الأمر على هذا، أو قال: بأن الناس يكون يوم القيامة كالفراش دون أن يذكر كلمة المبثوث، أو يراعي هذا القيد نقول: إن هذا التشبيه ناقص، فلا بد من وجود هذه القيود، ولا بد من مراعاتها.
ولا بد أولًا من فهم البلاغة التي تجعلنا نفهم كلام الله على هذا النحو، فالمشبه به الفراش كما قلنا في آية القارعة، مقيدًا بكونه مبثوثًا، وجه الشبه في الآية الأولى هي آية سورة القمر- {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} وجه الشبه هو ضعف وزوال التماسك، وفي الآية القارعة زوال القوة، وتفرق الأجزاء، ولا يخفى علينا أثر هذا القيد كما قلنا، ونقول مرارًا وتكرارًا ومدى دقة التعبير القرآني بإيثار هذه الألفاظ التي أبرزت، وجلت حال الناس يوم القيامة فالفراش كما نعلم مثال للخفة والحماقة والتهافت حتى أنه جاء في كلام العرب، وفي أمثالهم "أطيش من فراشة" أينما كان مبثوثًا؛ فقد تم ضعفه واكتمل زوال تماسكه، والعهن كذلك هو الصوف المصبوغ ألوانًا شتَّى، فإذا ما كان من منفوشًا؛ فقد تفرقت أجزاؤه، وزال كل ما به من قوة وتماسك، ثم إيثار لفظ العهن دون الصوف يعمُّ كل الجبال التي هي جُدَد بيض، وحمر مختلف ألوانها،