للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هؤلاء المفسرين، فقد نقل الشوكاني اختلافَ النحويين في قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} (الحج: ٤٠) فذهب سيبويه: إلى أنه استثناء منقطع، وذهب الفراء والزجاج: إلى أنه متصل، والتقدير: الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا ربنا الله، فيكون مثل قوله سبحانه: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا} وقول النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

وإذا أرجعنا البصرَ إلى ما ينقمه الكفار من المؤمنين وجدنا أنه الإيمان، وهو بالنسبة إلى الكفار عيب حقيقي، بل عيب قاتل في جماعة الإيمان، وإن كان عند المؤمنين مفخرة المفاخر. وهذا يختلف عما مضى من أن إيهام العيب هناك ونفيه لا يختلف النظر فيه بين إنسان وإنسان، أما هنا فالقضية مختلفة، وأن ما نقمه الكفار هو موضع للنقمة عندهم فقط وفي نظرهم فقط، ولكنه عند المؤمنين موضع للفخر. وهذا فرق أساسي. أما ما نقمه المنافقون فهو أن أغناهم الله ورسوله من فضله، وقد يبدو أن هذا ليس من قبيل ما ينقم في نظر المنافقين، فهو خير إسداء لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد أغناهم بعد فقر، ولكن عند إمعان النظر نجد أن هذا أيضًا من قبيل ما مضى، فالمنافق يؤذيه أن يكون للرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه يد أو فضل، وبهذا يكون إغناءُ الرسول له موضعًا للنقمة عنده، وكلما زاد الرسول عطاءً زاد هو غيظًا وحقدًا أو حسدًا وبغضاءً، وهذه هي طبيعة النفاق وشأن المنافقين دائمًا، فعطاء الرسول لهم موضع للنقمة كذلك عند المنافقين، وإن كان بالنسبة إلى رسول الله جزاء من طبيعته وأخلاقه، وعلى هذه الطريقة جاء قول عبد الله بن قيس الرقيات:

ما نقموا من بني أمية ... إلا أنهم يحملون إذا غضبوا

<<  <   >  >>