للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومخالطته السواد شبه ذلك بالهيئة الحاصلة من انتشار شعاع البرق في وسط الغيم، فالطرفان مركبان، ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من اختلاط البياض بالسواد.

سؤال هل يتأتَّى تحويل التشبيه المركب إلى متعدد، أو بعبارة أخرى هل يمكن للمركب أن تفكك وتفصل أجزاؤه عن بعضها البعض؟ إذا نظرنا إلى التشبيهات المركبة وجدنا أن بعضها لا يمكن فعل ذلك معه، لا يمكن فصل أجزائه، وأن بعضها الآخر يمكن فمثلًا عندما يقول الشاعر، وهو ابن المعتز: غدا أي: الليل.

غدا والصبح تحت الليل بادي ... كطرف أشهب ملقي الجلالة

غدا: وهو الليل، طرف أشهب يعني: الفرس الأبيض، ملقي الجلال: غطاء يوضع على الفرس، ويبدو أنه كان يتخذ من قماش أسود.

فهنا يشبه ظهور الفجر وإضاءته في بقايا الليل المدبر بفرس أشهب، مال عنه غطاؤه الأسود، فبدا بياض الفرس في سواد الغطاء، ووجه الشبه اجتماع سواد قليل في بياض كثير، فطرفا التشبيه مركبان، ولو حاولنا فصل الأجزاء في الطرفين، فلربما استقام تشبيه مثلًا الصبح بالفرس الأبيض، وتشبيه أيضًا الليل بالجلال، لكن هذا لا يستقيم لغثاثته، وفقدان ثمرته. هناك ضرب من التشبيه يمكن فك أجزائه كما جاء مثلًا في البيت الذي ذكرناه بيت بشار:

كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كوكبه

فلو فضضنا أجزاء هذه الصورة فشبهنا النقع مثلًا بالليل، وشبهنا السيوف بالكواكب؛ لصحت هذه التشبيهات من حيث تحقق وجه الشبه بين الأجزاء، ولكن يضيع جمال التشبيه الذي أحدثه التركيب، ويضيع غرض الشاعر الذي رمى إليه، وقصده بهذه الصورة المركبة. إذن فليس كل تشبيه مركب بمركب

<<  <   >  >>