للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا أن فرق العلاقة بين التورية وكل من المجاز والكناية هي الميزة الفاصلة، فمبنى التورية على ألا يعتبر بينهما لزوم وانتقال من أحدهما للآخر، وبهذا الفرق وحدَهُ يخرج هذا الفن عند العلَّامة عبد الحكيم عن علم البيان، يقول: "وبه -يعني: بهذا الفرق- يمتاز التورية عن المجاز والكناية، وبهذا ظهر أن التورية ليست من إيراد المعنى بطرق مختلفة في وضوح الدلالة، حتى تكون من علم البيان، نعم، إنه إذا كان المعنيان مجازيين أو أحدُهما مجازيًّا كانت من علم البيان بالنسبة إلى المعنى الحقيقي لهما أو لأحدهما، وأما بالنسبة إلى المعنى الذي هو تورية بالقياس إليه فلا، إذ لا علاقة بينهما ولا انتقال من أحدهما إلى الآخر، فتدبَّرْ هذا، فإنه مما خَفِي على بعض الأذكياء". انتهى من حاشية عبد الحكيم على (المطول).

ومع العلاقة القائمة بين التورية والمجاز والكناية ومع وضوح الفرق بينها وبينهما، إلا أنا نجد واحدًا من البلاغيين -هو العصام في (الأطول) - يُدخِل التوريةَ في مباحث علم البيان، فيقول في تعريفها: "أن يطلق اللفظ على غير ما وضع له لقرينة خفية، مما يتعلق بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة". ثم يقول: "فهو داخل في أصل البلاغة، فكيف عُدَّ إذًا من البديع؟! ". فأنت تراه يدخلها في إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة، ويعد البديع أمرًا خارجًا عن البلاغة!!.

الحقيقة التي لا مِراء فيها أن التورية كلون بديعي قائم برأسه له مدخل في بلاغة الكلام، وقوة الأساليب، كما أن له مدخلًا في إعجاز القرآن الكريم، فهو داخل في صميم البلاغة، والتحسين به ذاتي لا عرضي، والعلاقة بين هذا اللون وبين المجاز أو الكناية يؤكد هذا المعنى، فإذا كانت كلمتهم قد اتفقت على أن التورية

<<  <   >  >>