وحذفت الياء لأغراض، منها: رعاية الفاصلة التي بُنيت على حرف الراء، وحذفها لدلالة ياء المتكلم الموجودة في الكلمة قبلها:{عَذَابِي} عليه. ومنها: قَطْع الكلمة عند حرف الراء للتخويف والترهيب، فهو نذر عظيم لا يقادر قدره، ولا يحاط وصفه، فحذف الياء جاء للتوافق الصوتي مع الآيات السابقة واللاحقة، والقرآن الكريم قِمة في ذلك، إذ هو يحرص على توافق التنغيم الصوتي بقدر حرصه على مراعاة الأحوال والمقتضيات. ولنأخذ مثلًا قول الله تعالى:{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}(المزمل: ٨) فالمصدر للفعل: تبتل تبتلًا على وزن "تفعّل" ومع هذا جاء على تبتيلًا بزنة "تفعيل"؛ وذلك مراعاةً للفاصلة، ويدل على أنه ينبغي له تجريد نفسه عما سواه، ومجاهدته، فلذا ذكر التبتيل الدال على فعله بخلاف التبتل، فإنه لا يدل إلا على قَبول الفعل كالانفعال.
ومثل ذلك أيضًا ما جاء في قول الله تعالى:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}(الأحزاب: ١٠) فكلمة: {الظُّنُونَا} زيد في آخرها الألف؛ مراعاةً لحق الفاصلة. ومثله كذلك:{يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}(الأحزاب: ٦٦). وكذلك نجد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا المحسن جاء غيرَ متكلف، فانظر مثلًا إلى قوله -صلى الله عليه وسلم:((أنهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))، وكذا قوله مخاطبًا الأنصارَ:((أما والله ما علمتُكم إلا لتقلون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع)). هكذا نجد سهولةَ السجع أو الفاصلةَ في القرآن وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم. وهكذا تبدو بلاغة هذا السجع في هذه الألوان من النثر.
إلى هنا ينتهي لقاؤنا، وإلى لقاء آخر مع لون آخر من ألوان البديع، إلى الملتقى، استودعكم الله.