فالجناس هنا بين "صدور العوالي" بمعنى أطراف الرماح، و"صدور الكتائب" بمعنى نحور جنود كتائب الأعداء. ومن الجناس التام المماثل قول الله تعالى:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}(الروم: ٥٥) فالجناس بين: {السَّاعَةُ} و {سَاعَةٍ} الأولى بمعنى يوم القيامة، والثانية بمعنى اللحظة الأخيرة من الزمن. ومن أمثلة الجناس الفعلي:
يا إخوتي منذ بانت النُّجُب ... وجب الفؤاد وكان لا يجب
يعني: من الوجيب، وهي الحركة الشديدة:
فارقتكم وبقيتُ بعدَكم ... ما هكذا كان الذي يجب
فالجناس بين "يجب" و"يجب" الأولى بمعنى يضطرب ويتحرَّى، والثانية بمعنى يلزم. وقال أحد الشعراء يذم مَن يتعاطى قول الشعر وليس هو بشاعر:
والمعدمون من الإبداع قد كثروا ... وهم قليلون إن عُدوا وإن حصروا
قوم لو أنهم ارتاضوا لَمَا قرضوا ... أو أنهم شعروا بالنقص ما شعروا
فالجناس بين "شعروا" و"شعروا" الأولى بمعنى أحسوا، والثانية بمعنى لم يقولوا الشعر. يقول: لو أن هؤلاء علموا بنقصهم لما جرأ واحد منهم على أن يقول شعرًا. فهذا جناس من نوع واحد فِعلي كسابقه. والجناس التام الفعلي أمثلته نادرة وليس في القرآن مثال واحد منه، وإنما جاء فيه الجناس التام الاسمي -كما مر بك- في آية واحدة، وذكر السيوطي في (الإتقان): أن شيخ الإسلام ابن حجر استنبط موضعًا آخرَ منه في القرآن الكريم هو قول الله تعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}(النور: ٤٣، ٤٤) فـ"الأبصار" الأولى بمعنى البصر، والثانية بمعنى العقول؛ وعلى هذا، فالجناس بينهما تام مماثل.