والمعنى: أن الشاعر سمى وليده يحيى؛ تفاؤلًا لكي يعيش، ولكنه أتاه أجله المحتوم، فبادره ولم تجدِ التسمية. والجناس -كما هو واضح- بين "يحيى" و"يحيا" الأولى اسم والثانية فعل. ومثله قول أبي تمام يمدح يحيى بن عبد الله البرمكي:
ما مات مِن كَرم الزمان فإنه ... يحيا لدى يحيى بن عبد الله
فـ"يحيى" الأولى فعل، والثانية اسم، وهذا يختلف عن سابقه من حيث تقدم الفعل فيه على الاسم. أما السابق فالاسم فيه مقدم على الفعل، ومثله قول أبي الفتح البستي:
قيل للقلب ما دهاك أجبني ... قال لي بائع الفران فراني
ناظراه فيما جنى ناظراه ... أو دعاني أمُت بما أودعاني
في النص ثلاثة مواضع للجناس؛ الأول: بين "الفراني" و"فراني" وهو من الجناس التام المستوفي؛ لأن الأولى اسم، والثانية فعل. والثاني: بين "ناظراه""وناظراه" وهو من الجناس التام المستوفي؛ لاختلاف طرفيه بين الفعلية والاسمية، وهو محل الشاهد؛ لأن ناظراه الأولى فعل أمر مسند إلى ألف الاثنين، ومعناه: جادلاه وساءلاه، وناظراه الثانية اسم بمعنى عيناه، يعني: أنه سحره بنظراته الآسرة. الثالث: فهو بين "دعاني" و"أودعاني" والمعنى: جادلاه وسائلاه فيما فعلتُ في عيناه، فإن لم تفعلَا فاتركاني أمت بما أودعتُ في عيناه. ومثال مقابلة الاسم بالحرف مع ندرة هذا النوع: ما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم:((إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجهَ الله تعالى إلا أجرتَ بها، حتى ما تجعل في فِي امرأتك)) "في" الأولى حرف جر، والثانية اسم بمعنى الفَم. ومثاله في مقابلة الفعل بالحرف ما ذكروه من قولهم: علا زيد على جميع أهله، بمعنى: علت منزلته عليهم.
ولا يخفَى عليك بعد أن الجناس التام المستوفي إنما هو فيما وقع بين الاسم والفعل أو الفعل والاسم، وعلى هذا نص ابن السبكي ملغيًا من الحساب كل جناس