للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالكلام عن أهل النفاق، وقوله في الآية التي قبلها {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} (البقرة: ١٧)، فلا بد إذن أن يأتي الكاف في {أَوْ كَصَيِّبٍ} ما يماثل المشبه في الآيات السابقة واللاحقة؛ لذا كان التقدير: أو كذوي صيب، فالآيات مسوقة لبيان حال المنافقين فيما يكابدونه من حيرة وشدة بسبب ظهور نفاقهم، بعد أن توهموا أنهم قد أمنوا على حياتهم بإظهار الإسلام.

وقد مُثِّلوا أولًا بحال من هو في أشد الحاجة إلى النار فاستوقدها {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} (البقرة: ١٧)، ثم مُثلوا ثانيًا بحال قوم أصابهم مطر شديد فيه ظلمات ورعد وبرق، وصواعق مهلكة تهدد حياتهم بالموت، وكانوا يتوقعون فيه النفع والرخاء.

ونظير ذلك في دخول الكاف على مشبه به مقدر ما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} (الصف: ١٤) إذا لا شبه بين كون المسلمين أنصارًا لله، وبين قول عيسى، وإنما الشبه بين كونهم أنصار للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم، وكون الحواريين أنصارًا لعيسى؛ إذن فوجب أن يكون التقدير: كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصارًا لعيسى ابن مريم حين قال لهم: من أنصاري إلى الله.

وقد يلي الكاف مفرد لا يتأتى التشبه به، وذلك إذا كان المشبه به مركبًا، ويكون هذا المفرد له اتصال وثيق بالمشبه به المركب، تعال مثلًا إلى قول الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} (الكهف: ٤٥)، فليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء، بل المراد تشبيه حالها في ندرتها وبهجتها، وما يعقبها من الهلاك والفناء، بالهيئة الحاصلة من كون النبات بعد نزول الماء شديد النضارة والاخضرار، ثم بعد ذلك

<<  <   >  >>