تقدما في خدر، يبغيان المعانقة، ثم يفاجآن بأعين الرقباء، فيرتدان إلى حيث كانا في سرعة الخائفين المنزعجين، وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من تحرك جسمين حركتين متغايرتين إلى جهتين مختلفتين، تُحدث إحداهما تقارب الجسمين، وتُحدث الأخرى سرعة افتراقهما، وهي هيئة منتزعة من الحركة مجردة عن كل وصف آخر من صفات الطرفين.
وقد لاحظ الشاعر أن الحركة الثانية في المشبه أسرع من الحركة الأول؛ لأن حركة الشجرة المعتدلة في حال رجوعها أسرع لا محالة من حركتها في حال خروجها من مكانها بتأثير الريح، فحقق ذلك في المشبه به بقوله "ثم يمنعها الخجل"؛ لأن الحركة المسببة عن الخجل أسرع من الحركة الأخرى.
ومما يلاحظ أيضًا أن الشاعر لم يصرح بالمشبه به، فلم يقل كأن شجر السُّرِّ عاشق يبغي التعانق، بل طواه طيًّا في نظم الكلام؛ حتى خيَّل إلينا أن الشجر نفسه هو الذي أراد أن يتعانق، ثم رده الخجل. هذا كله مما زاد التشبيه حسنًا وإبداعًا، وأضفى عليه رونقًا وبهاء، وخد مثلًا قول امرئ القيس يصف جواده:
فقد شبه الجواد في حركته السريعة، ولين قياده وسرعة انحرافه، حيث يُرى في لحظة واحدة يكر ويفر، ويقبل ويدبر، فبينما نرى مؤخرته إذا بنا في نفس الوقت نرى صدره فجانبيه. شبه هذا كله بجلمود الصخر دفع به السيل من أعلى الجبل، فوقع الجلمود تحت تأثير قوتين: قوة الجاذبية الأرضية، وقوة دفع السيل له؛ ولذا فهو يتحرك حركات سريعة متواصلة؛ بحيث نرى جوانبه كلها بنظرة واحدة، وفي آن واحد، ووجه الشبه هو حركة الشيء يتجه إلى جهات متعددة في سرعة فائقة تكاد ترينا جوانبه كلها في وقت واحد، بنظرة واحدة.